[خطبة] القول السديد في ذكر أهم ثمار التوحيد لفضيلة الشيخ يحيى الحجوري حفظه الله
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس! لقد جبلت النفوس على محبة الثمار والتفكر فيها، والتغذي مما يتغذى به منها، كما أخبر الله سبحانه وتعالى، فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[الأنعام:141]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[البقرة:126]، وأخبر الله سبحانه وتعالى أن تلك الثمار آيات للمؤمنين، قال: ﴿انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[الأنعام:99]، وضرب الله عز وجل مثلاً في تباهي الناس وافتخارهم بمزارعهم وثمارهم، قال: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾[الكهف من42:32].
تقليب الكفين على أمر يتعجب منه، وهذا التمني حصل له بعد أن تلفت ثماره، وكان من عقاب الله سبحانه وتعالى لأصحاب الجنة: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾[القلم:24:17]، شحاً، فرحاً ببستانهم وجنتهم وثمارهم، وشحاً بها، تنادوا مصبحين خشية أن يأتوا المساكين يأخذون منها شيئاً، يسألونهم شيئاً من ذلك، فعاقبهم الله بإتلافها.
قال الله عز وجل مبيناً حالهم حين رأوا جنتهم أنها تلفت: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾[القلم:30] كل واحد يلوم الآخر: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾[القلم:32:31].. الآية.
الشاهد من ذلك: أنهم حصل لهم في جنتهم عقاب بإتلافها، مع محبتهم لثمارهم ولما رأوا فيها قبل حصادها، هذه الثمار لا شك أن النفوس تحبها، لذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أسعر)، وأراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن حصلت الفتوحات أن يبقوا في مزارعهم فيصلحونها، يصلحون بساتينهم ومزارعهم وثمارهم، فأنزل الله: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:195]، وكان بعض المسلمين يأتي بالتمر فيه الشيص وفيه ما ليس بمحمود ولا بجيد فيعلقه في المسجد صدقة للفقراء، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾[البقرة:267]، ولما أنزل الله عز وجل قوله: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[آل عمران:92]، قال أبو طلحة رضي الله عنه: «يا رسول الله إن الله أنزل عليك هذه الآية: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[آل عمران:92] وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة في سبيل الله، وكان له بستان وكان له فيها بئر، وكانت أحب أمواله إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ بخ مال رابح، -وفي رواية: رايح- أي: رايح عليك نفعه، فاجعلها في الأقربين»، وقالت أم سليم : «رسول الله خويدمك أنس ادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل في عمره»، دعا له بإكثار المال والولد، هذا هو الحديث: «أكثر ماله وولده»، فكثر ماله حتى كان له بستان تُشم رائحة طيب ذلك البستان من المدينة لجماله.
هذه أدلة معلومة في محبة الإنسان للثمار وللبساتين، وهكذا في التفكر فيها، ألا وإن أعظم ثمرة يتحصل عليها الإنسان ويجنيها في الدنيا والآخرة لهي ثمار التوحيد، فتوحيد الله لا ينبغي لأحد أن يمل من ذكره وتذكيره؛ لأنه أساس الدين، ولأنه الإخلاص لرب العالمين، ولأن بسببه قامت السماوات والأرضين، ولأنه من أجله خلق الإنس والجن أجمعين؛ توحيد الله سبحانه وتعالى، يقول الله في كتابه الكريم: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾[الذاريات:57:56].
فانظر من أجل ماذا خلق الله عز وجل عباده؟ ومن أجل ماذا أحيا بلاده: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[البقرة:29]؛ فخلق الله سبحانه وتعالى العباد لهذا الشأن العظيم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:21]، فلا تتحقق تقوى عبد من العباد ولا صلاح دينه ودنياه حقاً حتى يحقق توحيد الله عز وجل، لا يتحقق ذلك.
ومن أعظم ثمار هذا التوحيد الذي قامت بسببه السماوات والأرض، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾[الدخان:39:38]، فأخبر الله سبحانه: أن الله خلق هذه السماوات والأرض بالحق، والحق هو دين الله الحق: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[التوبة:33]، وقال سبحانه: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾[القيامة من40:36]، وقال: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[ص:27].
به أنزلت الكتب فما من كتاب إلا وهو يدعو إلى التوحيد، بل كتاب الله كله توحيد من فاتحته إلى خاتمته، توحيد في فضل التوحيد، وذم من أعرض عن التوحيد، والثناء على من حقق التوحيد، وجزاء الموحدين يوم القيامة، وما كُلف به الموحدون من تمام توحيدهم وأعمالهم الصالحة، فكل كتاب الله عز وجل لا تقرأ منه آية من آياته إلا وذلك من توحيد الله سبحانه وتعالى، لذا كانت سورة الإخلاص ثلث القرآن؛ لأنها في التوحيد.
فمن أعظم ثماره صحة المعتقد؛ فالذي لم يصحح عقيدته الذي لم يعتن بالتوحيد تفسد عقيدته، وإذا فسدت عقيدته فسدت حياته كلها، لما في الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، فسائر أهل الكفر والشرك والبدع والخرافات ثاروا على المسلمين وقلقلوا الآمنين وزعزعوا في الدين بسبب عدم إخلاصهم لتوحيد رب العالمين: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[الصف:5].
فتصحيح العقيدة أمر لابد منه ومناط ذلك على توحيد الله عز وجل وإخلاصه، فإذا صلح التوحيد صلح ما عداه، وإذا فسد جانب من التوحيد فسد ما عداه.
يقول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾[إبراهيم:26:34].
يا سبحان الله! الإيمان له ثمار والإخلاص له ثمار والتوحيد له ثمار طيبة ثابتة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، والعقيدة الفاسدة الباطلة مجتثة ما لها من قرار ولا أساس فهي كشجرة يابسة لا ثمر فيها ولا نفع (ما لها من قرار)، فمن الذي يرضى لنفسه أن يكون حاله كذلك؟! أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[البقرة:266]، فإذا كان الإنسان لا يود أن يكون له بستان مع رغبته فيه ومع احتياجه إليه هو وأولاده فيحترق فهو في هذا الحال أشد أن يجتث من الأساس ولا يكون له نفع، لا صحة لأي عمل إلا بالتوحيد فافهم هذا أيها المسلم! أي عمل من الأعمال لا يقبل ولا يصح إلا بتوحيد الله سبحانه، ومن لم يحقق توحيد الله سبحانه فسدت سائر أعماله وأقواله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[البينة:5] هذا هو الدين لمن أراد الدين: أن يعبد الله مخلصاً له الدين حنيفاً مسلماً.
وأخبر سبحانه وتعالى أن من لم يحقق دين الله وتوحيده: أن أعمالهم لا تنفعهم بشيء، واسمع إلى قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام:88] بعد أن ذكر عدداً من أنبياء الله ورسله في سورة الأنعام، قال: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام:88]، وقال الله لأفضل الأنبياء والمرسلين: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾[الزمر:65-66].
وأخبر أن من لم يوحد الله ما قدر الله حق قدره ولا عظمه حق تعظيمه: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[الزمر:67].
وقال عز وجل: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾[الفرقان:23]، وقال: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[المنافقون:6]، فسواء حصل استغفار لذلك الكافر المنافق الاعتقادي أو لم يحصل لا ينفعه بشيء، وسواء عمل أو لم يعمل من الأعمال كل ذلك هباء منثور ما لم يحقق توحيد الله عز وجل: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾[إبراهيم:18]، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[النور:39].
هذه الثمرة الأولى؛ ثمرة تصحيح العقيدة وقبول الأعمال، فلا تصح العقيدة إلا على توحيد الله.
والثانية: لا تقبل الأعمال إلا بتوحيد الله.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربه عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»، وفي تفسير قول الله عز وجل: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]، قال الفضيل : أخلصه وأصوبه، الذي يريد يعمل عملاً صالحاً يجعله خالصاً صائباً متابعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا سار أهل العلم على هذا التفسير: أن أي عمل من الأعمال تخلف عنه الإخلاص والمتابعة بعد الإسلام أنه مردود على صاحبه.
ومن ثمار هذا التوحيد العظيم مع قبول الأعمال: أن يحقق الأمن في بلد حقق أهله التوحيد، وأي بلد لم يعتن أهله بالتوحيد يعاقبهم الله عز وجل بزعزعة الأمن وبالقلاقل والفتن، فالله سبحانه قد أناط الأمن بتوحيده، قال الله في كتابه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[الأنعام:82]، وهذا أمر محسوس ملموس، فلما تحقق التوحيد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر صار الناس في أحسن حال؛ ساد بينهم التآخي، كان الناس أمة واحدة كما أخبر الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[المؤمنون:52] أي: على الاستقامة، وصار الناس في أمن وأمان وأسبغ الله عليهم نعمه، ومكنهم الله من رقاب الكافرين والمشركين، كل ذلك بفضل الأمن، هذا أمن الدنيا؛ أمن الدنيا لا يتحقق ولا يكون إلا بتحقيق توحيد الله، وإنما يحصل في البلاد والعباد من الفتن والقلاقل والتقلبات والنكبات والقتل والقتال بينهم كل ذلك بضعف توحيد الله، وضعف الثقة به، وضعف القناعة المتحققة من آثاره، وضعف التوكل عليه سبحانه وتعالى، وضعف الإيمان بأقداره والجبن والخور الذي يصاب به من لم يحقق توحيد الله ظاهراً وباطناً، كل ذلك من آثار عدم توحيد الله سبحانه وتعالى، هذا توحيد الله سبحانه وتعالى إفراده بالعبودية وإخلاص النية له، والثقة به والاعتماد عليه، والله سبحانه وتعالى يدافع عن أوليائه الذين أخلصوا له، فليس هناك من هو أشد ولياً لله وأقرب من الله ممن أخلص توحيده لله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾[الحج:38]، ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾[البقرة:257].
حقق توحيد الله يواليك الله سبحانه وتعالى، تكون ولياً من أولياء؛ يعادي من عاداك ويوالي من والاك لهذه الأدلة ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولأن سألني لأعطينه».
اعلم أن من حقق توحيد الله أنه مجاب الدعوة، أنه إذا سأل ربه سيعطيه، الموحد لله مجاب الدعوة، وهذا من أعظم الثمار يستفيدها الموحدون: أنه يضرع إلى الله فيرفع يديه فيجيب الله سبحانه وتعالى دعاءه. نعم.
«ولأن استعاذني لأعيذنه»، واعلم أن الموحد لله سبحانه وتعالى أن الله معه: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾[النحل:128]، وأعظم التقوى والإحسان فيما بين العبد وربه سبحانه وتعالى نعم، هذه أمور جزيلة والله، إضافة إلى ما عدى ذلك من ثمار توحيد الله عز وجل الذي من حققه مكن الله له وورثه الدنيا والآخرة: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[الأنبياء:105]، فزوال الأمم ونكباتها، وزوال الدول وخساراتها، كل ذلك بعدم تحقيق توحيد الله عز وجل: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ﴾[النحل:112] وكفران النعمة خدش في التوحيد، وقد استدل أهل العلم بحديث الأقرع والأبرص والأعمى، في حق ذلك الشخص الذي قال: (إنما ورثته كابراً عن كابر.. قال: إنما ابتليتم، فقد سخط الله على صاحبيك ورضي عنك)، خدش في التوحيد، فبقدر الخدش في التوحيد يحصل الضرر: ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[النحل:112].
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
لا يزال الناس يجهشون بعد الحياة الطيبة من حلال ومن حرام؛ فهذا يسرق وذاك يكذب وذاك يتجسس وذاك يتلصص، وذاك يخون، وذاك يخدع، وذاك يقتل، وذاك يفعل ويفعل ويرابي، وذاك يرائي.. إلى آخر ما عند الناس من الذنوب والعظائم، كل ذلك التماساً للحياة الطيبة، وهذا والله بعد ونأي وعدم توفيق عن الحياة الطيبة التي أبانها الله في كتابه.
فإذا أردت الحياة الطيبة أيها المسلم! فحقق توحيد الله عز وجل وعبادته، فإن هذا التحقيق ضامن لك سعادة الدارين، يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97]، هذه الحياة الطيبة ليست في الدنيا فقط، بل هي في الدنيا وفي البرزخ وفي دار الجنان، دار القرار: ﴿وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾[غافر:39]، هذه الحياة الطيبة.
حقق توحيد الله يفرج الله عز وجل كربك، فما أكثر ما تمرض! وما أكثر ما تحزن! وما أكثر ما تؤذى! وما أكثر ما تفتن! ولكن بتوحيد الله عز وجل تستريح وتطمئن، وانظر إلى نبي الله ذا النون عليه الصلاة والسلام إذ جأر إلى الله عز وجل بتوحيده، إضافة إلى ما عنده من التوحيد، ففرج الله كربه في ظلمات بعضها فوق بعض: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[الأنبياء:87]، دعوة متضمنة على لتوحيد الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأنبياء:88]، أي مؤمن موحد الله وعده بالنجاة، قال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾[فصلت:30].. ربنا الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وفي رزقه وعطائه وإماتته وإحيائه، وفي كلما نأتي ونذر: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾[فصلت:32:30].
كم فوائد في هذه الآية ذكرها الله عز وجل من فوائد: ﴿رَبُّنَا اللَّهُ﴾[فصلت:30] فوائد التوحيد.
من حقق توحيد الله كانت الملائكة حراساً له: ﴿أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾[فصلت:30] كانت الملائكة مبشرة له، كان آمناً في الدنيا والآخرة، لا يحزن على من تركه، ولا يخاف من أمامه، كانت الملائكة أيضاً قرينة له: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ﴾[فصلت:31]، والعكس من ذلك: من لم يكن على التوحيد كان وليه الشيطان، أنت أيها الموحد وليك الرحمن وملائكة الرحمن فكن على قناعة ويقين أنك على خير: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾[آل عمران:145]، سواء كان في شجاعتك أو في كرمك أو في أقوالك وصدعك في الحق، أو في كل ما تأتي وتذر أنت موحد، وهذا التوحيد ضامن لك بكل خير بإذن الله عز وجل. نعم.
والآية الأخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأحقاف:14:13]، حقق توحيد الله يمكنك الله، قال الله عز وجل مبيناً وعده الحق: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾[النور:55] أي: دين الحق: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾[النور:55]، حقق توحيد الله يرزقك الثبات، فما تزعزع من تزعزع وتضعضع من تضعضع بعد الدنيا ومطامعها وبعد الفتن ولطماتها إلا -والله- بضعف التوحيد عنده، بضعف توحيد الله عز وجل في قلبه، وضعف ثقته بالله سبحانه وتعالى؛ لأن وعد الله حق، فهو القائل: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾[إبراهيم:27]، الذي ما يحقق توحيد الله معرض للضلال وللتلف والهلاك، والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء.
إن هذا حق خالص لله، من حققه فإن الله عز وجل قد جعل على نفسه حقاً على ألا يعذبه، هذا من أعظم ثمار التوحيد أنك آمن أيها الموحد من عذاب الله إن مت على ذلك: «أتدري يا معاذ ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: الله ورسوله أعلم؟ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً» متفق عليه، النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن حق على الله عز وجل سبحانه كتبه على نفسه، وذلك الحق ألا يعذب الموحد.
من ثمار التوحيد: أنه إن حصلت له لمم فهو من أهل الشفاعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو هريرة : «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله صدقاً من قلبه».
حقق توحيد الله تكن من السابقين إلى الجنة، ففي الصحيحين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الأمم، قال: فنظرت فقيل: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا بسواد عظيم، فقيل: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، فداك الناس في هؤلاء، فمنهم من قال: هم الذين ولدوا في الإسلام، ومنهم من قال: هم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم فقال: ما الذي تدوكون فيه؟ فأخبروه، قال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون».
حقق توحيد الله، فإنك تدخل الجنة على ما كان من العمل وهي أعظم ثمرة تسفيدها؛ أعظم ثمرة تستفيدها الجنة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾[الكهف:107] الآية، وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن الجنة حق والنار حق، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» أي: على أي عمل دون الشرك بالله، فإنه داخل الجنة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48]، ما دون الشرك بالله فإن صاحبه يدخل الجنة، ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة يوماً من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه»، أي: مادام محققاً لتوحيد الله فإن مآله إلى الجنة.
حقق توحيد الله فإن هذا باب الجنة وباب السعادة فيها: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[المائدة:119]، ولا صدق أعظم من أن يصدق العبد فيما بينه وبين الله، ومع عباد الله.
فاصدق الله يصدقك، حقق توحيد الله أيها المسلم في أقوالك وأفعالك وفيما تأتي وتذر، وفي ظاهرك وباطنك، فهذا هو باب الحياة الطيبة والسعادة في الدنيا والآخرة، والحمد لله.
المصدر : موقع الشيخ حفظه الله